اعتصام في الخرطوم من تنظيم مبادرة ‘مفقود’، تضامنا مع أسر المفقودين في حادثة فض اعتصام ثلاثة يونيو 2019.
(cc) موقع الأضواء | أحمد عبد الغني | 28 نوفمبر، 2019

لقي أكثر من مائة شخص مصرعهم خلال ساعات وفقد العشرات، بعد حادثة فض اعتصام للمحتجين السلميين أمام قيادة الجيش السوداني في الثالث من يونيو 2019. لم تتوقف رحلات الأسر في البحث عن المفقودين منذ فض الاعتصام.


هجمت قوات مدججة بالسلاح، ترتدي أزياء عسكرية، واقتحمت ساحة الاعتصام أمام قيادة الجيش السوداني في الثالث من يونيو 2019. خلف هذا الهجوم عشرات القتلى ومئات الجرحى وفقدان العديدين، إضافة لتقارير تحدثت عن وقوع حالات اغتصاب لأعداد من الفتيات والشباب.

شهود عيان

يقول ناجون من فض الاعتصام إن ضرب الرصاص كان عشوائياً ومن اتجاهات مختلفة، ويؤكدون أن قوات العسكرية قامت بضربهم بالرصاص، السياط، العصي، الركل بالأقدام وسحل الرؤوس والضغط عليها بالأرض حتى تنزف.

وقال كمال، أحد الناجين، في وصفه لذلك اليوم: “تعرضت للضرب والتعذيب وتوجد كسور متفرقة في جسدي. اقتادتنا هذه القوات أنا ومن معي أمامها، وكانوا يقومون بضربنا وتهديدنا بالموت مثل الآخرين، كانت هناك جثث كثيرة وآخرين أحياء، ولكنهم لا يقدرون على الحركة، كان الدم في كل مكان.”

يضيف كمال: “لا يمكنني وصف بشاعة ما حدث مهما تحدثت ، وما توصلت إليه لجنة التحقيق لا يرتقي إلى حجم المجزرة التي تمت في الثالث من يونيو”.

هددوني بالاغتصاب والقتل والذبح، شاهدت الدماء في كل مكان. لا أصدق أني نجوت ولا زلت حية.

— لمياء، ناجية من مجزرة الثالث من يونيو 2019

فيما تقول لمياء، ناجية أخرى: “رأيت عدداً كبيراً من القوات تطلق الرصاص وهنالك من ماتوا ضرباً وركلا بالأرجل ومؤخرة البنادق. هددوني بالاغتصاب والقتل والذبح، شاهدت الدماء في كل مكان. لا أصدق أني نجوت ولا زلت حية.”

وأضافت لمياء: “لا بد من محاكمة المجرم الحقيقي الذي ارتكب الفظائع في حق الثوار العزل.”

لا تزال حالات القلق والتوتر تنتاب العديد من الأسر السودانية جراء فقدان أبنائها منذ ليلة فض الاعتصام.

تقول والدة المفقود أحمد محمد محمود لـ ‘موقع الأضواء’، إن ابنها الطالب الجامعي كان من الذين يرتادون ميدان الاعتصام يوميا مشاركاً زملائه من الذين خرجوا للمطالبة بحقوق مشروعة، لكنه اختفى منذ التاسع عشر من شهر رمضان الماضي ولم يعد.

وتضيف: “بحثنا عنه في كل الأماكن من مستشفيات، مشارح وأقسام الشرطة ولم نجده، وندعو الجميع مساعدتنا في رحلة البحث عن أحمد.”

بينما تقول سمية عثمان والدة المفقود إسماعيل التجاني في مقابلة خاصة مع ‘موقع الأضواء’: “إن ابني قطع اتصاله بنا منذ الثامن من شهر يونيو ولم نعرف مصيره حتى الآن، وكان إسماعيل من الشباب المتواجدين في ميدان الاعتصام يوميا، وغيابه حول حياتنا إلى جحيم.”

ورغم الصدمة التي باتت تسكن قلوب الكثيرين من أسر المفقودين، إلا أن بوارق الأمل ما زالت تلوح أمام تلك الأسر وتتعلق بالمبادرات التطوعية التي كونت للبحث والتعرف على مصير من فقدوا من ساحة الاعتصام في اليوم الأسود. رحلات الأسر في البحث عن المفقودين لم تتوقف منذ فض الاعتصام.

مبادرة ‘مفقود’

مبادرة ‘مفقود’ واحدة من المبادرات التطوعية الشعبية التي تضم مجموعة من الشباب السودانيين لمساعدة أسر المفقودين في البحث والتقصي حول أسباب ومكان الذين اختفوا من ساحة الاعتصام .

اعتصام في الخرطوم من تنظيم مبادرة ‘مفقود، تضامنا مع أسر المفقودين.
(cc) موقع الأضواء | أحمد عبد الغني | 28 نوفمبر، 2019

تقول المبادرة إن أعداد المفقودين تتجاوز العشرين فردا، مشيرة إلى احتمال ارتفاع الأعداد نسبة لعدم تقدم بعض الأسر ببلاغات رسمية في مخافر الشرطة حتى الآن.

وأكدت المبادرة تزايد البلاغات من الأسر بحالات الفقدان، وكشفت عن تلقيها بلاغات جديدة من أسر مفقودين، منذ فض اعتصام المحتجين من أمام قيادة الجيش السوداني.

شكت عضوة المبادرة فادية خلف في تصريح لـ ‘موقع الأضواء’، من عدم تعاون جهات رسمية سودانية مع المبادرة، خاصة فيما يتعلق بالبحث في دوائر المشارح بالمستشفيات التي دائما ما تستقبل الجثث المجهولة.

وأضافت، أن عدد البلاغات التي تلقتها المبادرة بحالات الفقدان وصلت إلى 20 بلاغا، مؤكدة سعيهم وتواصلهم مع أسر المفقودين من أجل البحث ومعرفة مصير هؤلاء المفقودين.

مساع حكومية

تحت الضغوط الشعبية المتزايدة والتظاهرات والمواكب التي يسرتها لجان الأحياء والمقاومة في أحياء الخرطوم وشوارعها، أعلنت النيابة العامة لجمهورية السودان بتاريخ 18 سبتمبر 2019 عن تكوين لجنة للتحقيق حول الأشخاص الذين اختفوا في أو بعد يوم 4 يونيو 2019.

تم تشكيل هذه اللجنة بموجب قرار النائب العام بالرقم 28\2019، وتضم النائب العام و وزارة العدل متمثلة في إدارة حقوق الإنسان، إضافة إلى وزارة الداخلية وقوات الشرطة، بجانب نقابة المحامين ووحدة العنف ضد المرأة.

وتنحصر مهام اللجنة في تمكين أسر المفقودين بتدوين بلاغات حول اختفاء وفقدان أي شخص في الفترة من 6 أبريل وحتى فاتح أكتوبر 2019.

لا يمكن أن تنتهي بهذه الطريقة

يرى الصحفي المهتم بقضايا حقوق الإنسان شوقي عبد العظيم أن “آلية البحث عن المفقودين كانت آلية بها شيء من القصور”، مفسرا موقفه بالعثور على بعض المفقودين في المشارح موتى بعد شهور من فقدانهم. يقول عبدذالعظيم: “لا يمكن أن يكون مفقود موجود في مشرحة من المشارح ويكتشف بعد شهور طويلة.”

“مسألة المفقودين هي مسألة تحتاج إلى تحقيق شرطي وأمني وجنائي استقصائي لمعرفة الملابسات التي تم فيها هذا الفقد ولمعرفة أماكن المفقودين، ولا يمكن أن تنتهي بهذه الطريقة، لأن المفقودين يمكن الحصول على جثامينهم على الأقل أو الحصول على شواهد موت”، يضيف عبد العظيم.

ودعا عبد العظيم اللجنة الحكومية إلى الاستعانة بالشواهد والفيديوهات والصور المتعلقة بفض الاعتصام والتعاون مع المنظمات الطوعية والأسر، لمعرفة تفاصيل دقيقة حول المفقودين حتى يتم التعرف علي مصيرهم.

شهدت العاصمة السودانية الخرطوم ومدن أخرى منذ ديسمبر 2018 احتجاجات شعبية تطالب برحيل الحكومة التي تزعمها الرئيس المخلوع عمر البشير.

وواجهت الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية السلمية عنفاً مفرطاً من قبل القوات الحكومية الموالية للنظام السابق آنذاك.

وتمكنت الاحتجاجات الشعبية من إسقاط حكومة البشير التي حكمت السودان لمدة 30 عاماً، في وقت شهدت فيه التظاهرات فقدان المئات وآلاف الإصابات في أوساط المحتجين السلميين.