البرلمان السوداني، 1977. (cc) Caralaz
ما دور الأحزاب السياسية في مستقبل السودان، خصوصا تلك التي تتهم بكونها جزء من نظام الرئيس المخلوع عمر البشير؟ هل يصبح عملها، مع الأحزاب الأخرى، تاريخا لا تأثير له على توجه السودان؟ أم أنها ستناضل لنيل نصيبها من المشهد السياسي السوداني؟
وجد لقاء غازي صلاح الدين العتباني، رئيس حزب ‘حركة الإصلاح الآن’ ورئيس الجبهة الوطنية للتغيير، برئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك، في 31 يناير الماضي، انتقادات من قبل ‘قوى الحرية والتغيير’، المكون الأساسي للحكومة الانتقالية بالسودان.
وحسب العتباني، فلقد جاء لقاء ‘غازي- حمدوك’ من باب البحث عن مشتركات لتقارب وطني يخرج البلاد من أزمتها الحالية سيما الاقتصادية منها، عبر “تشخيص التحديات الحرجة التي تواجه البلاد وتقريب وجهات النظر تجاهها وتجنب الارتهان للرؤى الذاتية للقوى السياسية، وأن يكون الهدف النهائي الذي تتحقق به نهضة البلاد وازدهارها هو مشروع وطني سياسي متفق عليه”.
إلا أن قوى الحرية وتجمع المهنيين، رفضوا هذا اللقاء وأي تقارب مع الأحزاب التي كانت جزءا من حكومة الرئيس السابق عمر البشير حتى سقوطه في أبريل 2019.
قال القيادي بتجمع المهنيين إسماعيل التاج، إن “لقاء رئيس الوزراء عبد الله حمدوك برئيس الجبهة الوطنية للتغيير غازي صلاح الدين، بمجلس الوزراء يمثل صدمة كبيرة”، وأكد التاج أن “اللقاء يفتقر للحساسية السياسية ولا يخدم مسيرة الفترة الانتقالية والتحول الديمقراطي”. هذا ودعا التاج مجلس الوزراء إلى “تقديم توضيحات سريعة لا غموض فيها عن اللقاء المزعوم”.
وعندما نجحت الثورة الشعبية في الإطاحة بنظام الإنقاذ بقيادة البشير في أبريل 2019، كانت هناك عدد من الأحزاب السياسية تشارك النظام المخلوع الحكم، وهو ما جعل البعض يضعها في خانة واحدة مع المؤتمر الوطني الحزب الحاكم وقتها. السبب في ذلك هو أنها لم تعلن موقفا واضحا تجاه تعامل نظام البشير مع الاحتجاجات التي كانت تجري وقتها وبقيت صامتة في وقت كانت أجهزة الأمن تتعامل بقسوة مع المحتجين.
تاريخ ‘أحزاب الفكة’
قبل سقوط نظام البشير كانت تلك الأحزاب تلتقي تحت لافتة تسمى ‘مجلس أحزاب الوحدة الوطنية’، بينما يطلق عليها الشارع ‘أحزاب الفكة’ لكونها لا تملك أي سند جماهيري ومعظمها جاءت كنتيجة لانشقاقات أحزاب أخرى.
في نفس الوقت، كان ‘مجلس أحزاب الوحدة الوطنية’ يضم عددا من الأحزاب الكبير أبرزها، ‘الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل‘ بزعامة محمد عثمان الميرغني، ‘حزب الأمة – جناح أحمد بابكر نهار‘، ‘الحزب الاتحادي الديمقراطي’ بزعامة جلال يوسف الدقير، ‘منبر السلام العادل‘ بقيادة الطيب مصطفى – خال الرئيس المخلوع عمر البشير، ‘حزب التحرير والعدالة القومي‘ بقيادة تجاني السيسي، إضافة إلى حزب ‘المؤتمر الشعبي‘ بزعامة علي الحاج، و ‘حركة الإصلاح الآن‘ التي يقودها غازي صلاح الدين العتباني.
لاحقا كونت تلك الأحزاب جسما جديدا في العام 2018 تحت مسمى ‘الجبهة الوطنية للتغيير‘ بقيادة غازي صلاح الدين، وضم 22 حزبا وحركة مسلح. وكان هدف تكوين ‘الجبهة’ هو خوض الانتخابات التي كان يعتزم نظام البشير إجرائها في العام 2020.
وفي أبريل 2019، بعد نجاح الثورة، حاولت ‘الجبهة الوطنية للتغيير’ المشاركة في الحكومة الانتقالية عبر إجراء عدد من اللقاءات مع عدد من الأطراف من بينها المجلس العسكري وقتها والاتحاد الإفريقي، إلا أن قوى الحرية والتغيير التي كان لها تأثير في الشارع رفضت هذا التوجه، مما جعل غازي يتهم تلك القوى بممارسة الإقصاء.
وقال بيان صادر عن ‘الجبهة الوطنية للتغيير’ في 20 أبريل، 2019 عقب لقاء العتباني ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى فكي بالعاصمة الخرطوم، “هناك قوى سياسية تحاول أن تمارس الإقصاء ضد الآخرين”. ومنذ ذلك الحين، لم تنجح أي محاولات في ضم تلك الأحزاب إلى الحكومة الانتقالية.
أسست بعد ذلك نفس هذه الأحزاب تحالف ‘تنسيقية القوى الوطنية‘ وأعلنت رفضها جملةً وتفصيلاً للاتفاق الذي تم بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، الذي تم توقعيه في 17 أغسطس 2019. ووصفت التنسيقية الاتفاق بالمجحف، كونه منح الأخيرة قوى الحرية والتغيير 95 في المئة من السلطة الانتقالية، وأقصى متعمداً بقية القوى السياسية في البلاد.
مستقبل التنسيقية
والآن بعد مضي أكثر من سنة على الثورة وأكثر من ستة أشهر على تكوين الحكومة الانتقالية، كيف تنظر الأحزاب التي كانت جزءا من حكومة البشير لمستقبلها السياسي؟
في ظل وجودها خارج دائرة الفعل السياسي لكونها لم تشارك في الحكومة، الواقع الماثل أن تهمة ‘سدنة النظام السابق’ تلاحق تلك الأحزاب.
يقول العتباني في تصريحات لصحيفة ‘المجهر’: “كوني جزءاً أصيلاً من الحكومة السابقة فهذا لا يمنعني من ممارسة العمل السياسي بالتأكيد.” ويضيف رئيس حزب ‘حركة الإصلاح الآن’ أنه “ليس هناك أحد يستطيع أن يمنع الآخرين من ممارسة حقوقهم بأي ذريعة، وأنا لست نادماً على شيء فعلته على قناعة، وهذه مسائل تقييم بصورة مختلفة، وسنمضي في طريقنا وتعودنا على ذلك رغم الصعاب”.
بينما يعتقد نهار عثمان نهار، الأمين العام لـ ‘حركة العدل والمساواة – جناح دبجو’، إن قصة تصنيفهم بأنهم جزء من النظام البائد هذه لا تعني لهم شيئاً، “لأننا جئنا إلى الخرطوم وشاركنا في السلطة السابقة عبر اتفاقية مشهودة دوليا”.
ويعترف نهار بإقصائهم، متهما، في حديثه لـ ‘موقع الأضواء’، أنه “للأسف الإقصاء يتم بانتقاء شديد لأن هناك من شارك في النظام السابق في فترة من فتراته لكنه يمارس الإقصاء الآن”.
ويؤكد نهار: “نحن موجودون في الساحة السياسية نمارس عملنا بصورة طبيعية ولن نتأثر بأقوال الآخرين.”
ورغم الثقة التي يتكلم بها كل من نهار وصلاح الدين، فإن مستقبل عملهم السياسي يعتمد أولا وأخيرا على ثقة السودانيين في إمكانياتهم على قيادة السودان مستقبلا. هذه الإمكانيات هي التي، بالنسبة للكثيرين، لا تتمتع بها هذه القوى، نظرا لتاريخها ومواقفها.
تعديل السؤال
يضع المحلل السياسي والاستراتيجي الدكتور محمد سليمان السؤال عن مستقبل ‘أحزاب الفكة’ في إطار سؤال حول مستقبل الأحزاب السياسية التقليدية ككل. “السؤال ليس مستقبل الأحزاب المشاركة مع النظام السابق، ولكن حول مستقبل القوى السياسية في السودان بصورة عامة” يقول سليمان، مضيفا: “الحقيقة أن الذي أسقط النظام هو المد الشعبي الثوري وأن الأحزاب كان دورها ثانويا.”
أما بالنسبة لدورها الحالي فيقول سليمان إن “الأحزاب السياسية كلها سواء كانت حاكمة أو معارضة الآن تأثيرها ضعيف حتى في الحكم الانتقالي الحالي”.
الخلاصة التي ينتج إليها سليمان هي أن “القوى السياسية غير مؤهلة لقيادة الشارع، ونحن الآن في مرحلة تحول سياسي كبير، وهذا يعني أن القوى القديمة إذا لم تستطيع أن تقود عملية تجديد، فإن الشارع السياسي مفتوح لقوى سياسية ناشئة”.
هذا ما يعتقده المواطن السوداني الستيني طارق إسماعيل، حيث يقول: “الجيل الآن واعي جدا ولن يلتفت إلى الأحزاب الطائفية والأيديولوجية التي أدخلت السودان في المأزق الحالي نتيجة لصراعاتها التاريخية.”