ورشة النجارة في مركز النور للمكفوفين في الخرطوم بحري.
(cc) موقع الأضواء | إدريس عبد الله | 15 ديسمبر، 2019
لا تتمكن المؤسسات المختصة في تعليم ذوي الإعاقة من استيعاب سوى 5 في المئة من مجموع الطلاب ذوي الإعاقة، حسب رئيس تنسيقية الأشخاص ذوي الإعاقة، فخر الدين عوض. وحتى بالنسبة لمن يتم استيعابهم، تقف معوقات كثيرة أمامهم، تحول دون استمرارهم في التعليم.
“أكثر ما يؤلمني هو إحساسي بأنني أشكل عبئاً ثقيلاً على زملائي وأرهقهم بعملية تنقلي في قاعات الدراسة”، يقول الطالب بجامعة أمدرمان الإسلامية، ذو الإعاقة الحركية، صديق علي، 24 عاما.
يضيف علي لـ ‘موقع الأضواء’: “البيئة الجامعية غير مهيأة للأشخاص ذوي الإعاقة وخاصة الحركية حيث يجدون صعوبة كبيرة في الوصول لمقاعد الدراسة خاصة في الطوابق العليا حيث لا تتوفر لهم مدرجات أو خاصة”.
وأشار صديق إلى هذا الوضع ينطبق على الداخليات والمكاتب والترحيل وكافيتريات الطعام، هذا إلى جانب أن “أكبر المشاكل للأشخاص ذوي الإعاقة الحركية تتعلق في صعوبات التنقل من المنزل أو الداخلية للجامعة”.
لم تتمكن ليلى مالك يحي، 12 عاماً وصاحبة الإعاقة البصرية، من الاستمرار في الدراسة. تقول شقيقتها نهى مالك يحي لـ ‘موقع الأضواء’ إنها ليلى ولدت بتلك الإعاقة و”فقدت الآن حظها تماماً في التعليم بعد أن عجزنا عن توفير احتياجات تعليمها الكثيرة”.
كانت مشاركة ذوي الإعاقة في الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بالنظام السابق في السودان فاعلة، وأول شهيد سقط في ثورة 19 ديسمبر بمدينة بربر شمالي السودان، كان من ذوي الإعاقة وهو الشهيد محمد عيسى ماكور. رصدت كاميرات وسائل الإعلام على أيام المواكب الجماهيرية المطالبة برحيل نظام الرئيس المخلوع وقتها عمر البشير أصحاب الإعاقات المختلفة يتوسطون الجماهير ويواجهون بشجاعة آلة القمع الوحشية لنظام الرئيس المعزول.
وعلى الرغم من المشاركة الفاعلة والتضحيات التي قدمتها هذه الشريحة، إلا إنها ما زالت تعاني من نفس المشاكل والمعوقات التي كان في فترة النظام البائد على كافة الأصعدة.
توفير فرص التعليم لأصحاب هذه الإعاقات لا زال يمثل تحدياً. حسب رئيس تنسيقية الأشخاص ذوي الإعاقة، فخر الدين عوض، فإن “هناك مدارس أو معاهد محدودة جدا للمعاقين والطاقة الاستيعابية لهذه المدارس لا تكفي خمسة في المئة من عدد المعاقين [في السودان].”
مقر مخصص
مركز النور لتعليم المكفوفين في مدينة الخرطوم بحري، واحد من تلك المؤسسات، وهو من أهم المراكز التعليمية في العاصمة.
زار ‘موقع الأضواء’ المركز لتكن المفاجأة الأولى بأنه، رغم قدمه وسمعته في تعليم المكفوفين، لا يملك هذا المركز قطعة أرض باسمه، وإنما تم إنشائه بجزء من دار اتحاد المكفوفين على نفقته.
يقول المعلم في مركز النور لتعليم المكفوفين، عبد القيوم محمد سعيد، إن أكبر المشاكل التي تواجه مركز النور هي مشكلة المقر. خلال فترة النظام البائد، سعى المركز للحصول على أرض لبناء مدرسة، ولكن كما يقول سعيد: “لم نحصل على شيء سوى الوعود الكاذبة بالإضافة إلى الضرائب الباهظة التي تفرض على الورق المخصص للتعليم المكفوفين.”
ويزدحم طلاب المركز في غرف دراسية صغيرة لا يتجاوز طولها وعرضها ثلاثة أمتار. وتوزع في باقي المبنى ورشة لتعليم النجارة وأخرى للمصنوعات اليدوية. يعاني المركز كذلك نقصاً كبيراً في أدوات التعليم، غير أن القائمين على أمره يجتهدون في تقديم خدمة لتعليم المكفوفين تعليما أكاديمياً وحرفياً.
التجهيزات والاستيعاب
مشكلة التجهيزات الملائمة تعاني منها مؤسسات كثيرة حيث “لا توجد [بها] أبسط مقومات التدريس”، كما يقول رئيس تنسيقية الأشخاص ذوي الإعاقة، فخر الدين عوض.
استدل عوض بالجمعية السودانية للصم وأنه، “رغم المجهود الضخم الذي قامت به الجمعية فإنها تعاني ضيق فصولها الدراسية وأرضها مسورة بالزنك وتشبه حظائر الحيوانات، رغم أنه من أبجديات تعليم الصم وضعاف السمع وجود جدران وأرضيات بمواد عازلة للصوت”.
واشتكى المعلم سعيد من ضيق في مساحة مركز النور لتعليم المكفوفين، حيث لا يستطيع أن يستوعب عددا كبيرا من الطلاب.
الوصول إلى مكان الدراسة
إضافة إلى ذلك يصعب الوصول إلى هذه المؤسسات ما يمكن أن يكون مستحيلا لطفل يسكن في أطراف العاصمة، ناهيك عن قرى السودان وبقية مدن.
“مشكلة التعليم ذوي الإعاقة بكل أنواعها في السودان تبدأ بتحركهم من المنزل إلى المدرسة أو الجامعة حيث يواجه الطالب ذوي الإعاقة تحدياً كبيراً في الوصول إلى مكان دراسته”، يفسر عوض.
طالب سعيد خلال حديثه لـ ‘موقع الأضواء’ بتوفير مقر لمركز النور يصمم برؤية هندسية وفقا لمتطلبات ذوي الإعاقة، مع توفير مركز في كل محليات السودان.
عدم ملائمة هندسة المباني، كتصميم الفصول والحمامات والدرج وغيرها من العوائق تقف حائلا دون وصول الطلاب أصحاب الإعاقة الحركية إلى فصول الدراسة والاستمرار فيها.
“هنالك قصص مؤلمة لطلاب من ذوي الإعاقة تم رفض قبولهم في الجامعات بسبب الإعاقة رغم حصولهم على درجات عليا تؤهلهم للدراسة، وبعضهم وقفت السلالم والتصميمات الهندسية لقاعات الدرس حائلا دون مواصلة تعليمهم”، يفسر عوض.
يرى سعيد أنه من المهم تهيئة البنية التحتية لكل المؤسسات التعليمية بمختلف مراحلها من أجل إزالة كل العقبات أمام الأشخاص ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى تدريب المعلمين والمعلمات للتعامل مع ذوي الإعاقة.
ولكي تكون هذه المؤسسات مهيئة يقترح عوض عدم التصديق لأي مؤسسة تعليمية بالعمل إن لم تراعي في مبانيها الكود العالمي للتصاميم التي تراعي حاجة الأشخاص ذوي الإعاقة.
“التعليم حق نصت عليه الوثيقة الدستورية كما أن الثورة رفعت شعارات العدالة والمساواة” يقول عوض، الذي يدعو إلى سن قوانين وتشريعات تلزم الجميع بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في بيئة تعليمية أسوة بغيرهم.
تعهد حكومي
في الثالث من ديسمبر 2019، وقعت الحكومة السودانية، على الوثيقة التنسيقية للأشخاص ذوي الإعاقة تزامنا مع يوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة. وأكد عضو مجلس السيادة الانتقالي محمد الفكي سليمان، خلال حفل التوقيع اهتمام الدولة بشريحة الأشخاص ذوي الإعاقة وتمكينهم من نيل كافة حقوقهم سواسية مع الشرائح الأخرى وفقا للدستور.
وأشار الفكي، إلى أن أوضاع ذوي الإعاقة كانت متردية في عهد النظام البائد مؤكدا التزام الحكومة بنصرتهم حتى ينالوا كل حقوقهم دون نقصان. هذا وتعهد الفكي بالعمل على معالجة أوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة وإتاحة فرص العمل لهم في مؤسسات الدولة كافة.
ويهدف ميثاق تنسيقية الأشخاص ذوي الإعاقة إلى العمل تحت ميثاق موحد لتخطيط وتفعيل الخدمات المقدمة للأشخاص ذوي الإعاقة، وإدخال مفهوم الإعاقة في سياسات وخطط وقوانين الدولة، إضافة لتوفير فرص عادلة والمشاركة في الأجهزة التشريعية وأجهزة الحكم الانتقالي ليكونوا شركاء في نهضة الوطن.
وتدعو الوثيقة إلى تقنين التمييز الإيجابي على أساس الإعاقة ومبدأ تكافؤ الفرص في جميع قوانين وسياسات الدولة، وإدماجهم في المجتمع والمشاركة في اتخاذ القرار وغيرها من القضايا التي تهم شريحة الأشخاص ذوي الإعاقة.