طالبات في مدرسة في كسلا يتعلمن باستخدام أجهزة الكمبيوتر اللوحية. © UNICEF | Florine Bos
وعدت الحكومة الانتقالية بإحداث تحول في نظام التعليم في السودان بعد معاناة هذا القطاع، سواء من حيث البنية الأساسية أو جودة التعليم ذاته، على مدى السنوات الثلاثين الماضية.
منذ عام 1956، حين حصل السودان على استقلاله، وحتى عام 1969، كان التعليم مجانياً لجميع الأطفال. رغم ذلك، لم يكن الالتحاق بالمدارس إلزاميا وكان أعداد الطلبة في الصفوف الدراسية محدودا. وبالتالي فقد ركزت السلطات السودانية على زيادة عدد المرافق التعليمية في مختلف أنحاء البلاد.
تم تقسيم التعليم العام في البداية إلى ثلاث مراحل تتكون كل واحدة منها من أربع سنوات: التعليم الابتدائي، والتعليم المتوسط، والتعليم الثانوي. وفي عام 1970، وتحت إشراف حكومة جعفر النميري (1969-1985)، تم تمديد فترة التعليم الابتدائي إلى ست سنوات؛ وأصبحت مدة المرحلتين المتوسطة والثانوية ثلاث سنوات لكل مرحلة.
وعلى الرغم أن التوسع في المدارس والتغييرات التي أدخلت على المناهج التعليمية المؤممة كان لها في بعض الأحيان تأثيرات سلبية على جودة التعليم، كان نظام التعليم العام في السودان في حالة جيدة نسبيا. وعلاوة على ذلك، بدأ التعليم الخاص في الخمسينات من القرن الماضي وشهد طفرة كبيرة.
وبعد فترة وجيزة من توليها السلطة في عام 1989، قررت حكومة عمر البشير تعريب كل المواضيع وأسلمة المدارس، بدعم من قادة الإخوان المسلمين والمدرسين والإداريين الإسلاميين، الذين كانوا من أشد مؤيدي النظام.
وفي حين عملت الحكومة على زيادة الضرائب بشكل مُطَّرِد على المدارس الخاصة، كانت الميزانيات الحكومية السنوية المخصصة للتعليم العام ضئيلة. فعلى سبيل المثال، بلغ إجمالي الإنفاق المخصص للتعليم في عام 2017، أقل من 1 في المائة من إجمالي الإنفاق العام، مقابل 42 في المائة من الإنفاق العام المخصص للأمن والدفاع.
عانى التعليم تحت حكم البشير من تراجع كبير، أو “أصيب بالضربة القاضية في عام 1989 مع وصول الحركة الإسلامية إلى السلطة”، الوصف الذي أطلقته الباحثة الاجتماعية الدكتورة أسماء جمعة والتي أضافت أن “التعليم كان آنذاك آخذ بالتدهور بالفعل بسبب السياسات الخاطئة والأساليب العقيمة التي أدت إلى زيادة معدلات التسرب من المدارس”.
وطبقاً لتقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) فإن أكثر من ثلاثة ملايين طفل في السودان، تتراوح أعمارهم بين خمسة أعوام إلى ثلاثة عشر عاماً، غير ملتحقين بالصفوف الدراسية. وتبلغ نسبة الالتحاق بالمدارس في المرحلة الابتدائية 76 في المئة وتنخفض هذه النسبة إلى 28 في المئة في مرحلة التعليم المتوسطة.
السير إلى الوراء
“لقد أصبح تعليم الأطفال مسؤولية أولياء الأمور، وليس مسؤولية الدولة. فعندما كان التعليم قويا ومدعوما من الدولة، تخرج طلبة يمتلكون المعرفة الحقيقية، وكانوا مؤهلين تأهيلاً كاملاً على النقيض من طلبة هذه الأيام”، يقول موسى الزبير، المعلم الذي كان أمضى فترة طويلة في مهنة التعليم في شمال الخرطوم.
وانعكس الوضع أيضا على المعلمين. فقد غادر العديد من المعلمين المؤهلين البلاد بسبب الوضع الاقتصادي، وخسر آخرون وظائفهم لأسباب سياسية في عهد نظام البشير.
العديد من المعلمين الحاليين ليسوا مؤهلين تأهيلا جيدا. فهم قد تلقوا تعليمهم من النظام التعليمي الضعيف نفسه، ولم يتلقوا التدريب المناسب. وبعضهم لا يتمتع بأية مؤهلات ليكونوا معلمين، بل أصبحوا معلمين فقط لأنهم لم يتمكنوا من العثور على أي وظيفة أخرى.
ووفقا لـ يونيسيف، حددت وزارة التعليم وجود 3,692 معلم غير مؤهل في جنوب وشرق دارفور من مجموع المعلمين العاملين البالغ عددهم 7,315 معلما. ووجد أن كثيرا من المعلمين في السودان غير مدربين، ولا يوجد إشراف جيد عليهم وموزعين بشكل غير متساوي بين المناطق الريفية والحضرية.
وإلى جانب التحديات الاقتصادية ونقص المعلمين المؤهلين، فإن أساليب وأدوات التدريس في السودان قد عفى عليها الزمن. في هذا الصدد، علق الزبير في مقابلته مع ‘موقع الأضواء‘ قائلا “إن طرق التدريس والمناهج والمواضيع لا تتماشى مع التكنولوجيا والوسائل الحديثة، فضلاً عن الافتقار إلى الأنشطة مثل الرياضة والأدب والنوادي المدرسية”.
وتزداد الحالة سوءا في المناطق المتأثرة بالصراعات العنيفة والمناطق النائية. فعلى سبيل المثال، حاولت المنظمات المحلية والدولية على مدى سنوات طويلة تقديم المساعدة للنازحين داخل المخيمات وخارجها في جميع أنحاء السودان. وتقوم هذه المؤسسات بفتح مدارس مؤقتة لتعليم الأطفال في سن التعليم الإلزامي.
ويقول عبد المحسن عبد المتعال، الذي يعمل لدى واحدة من المؤسسات العاملة في دارفور أن “اليونيسيف ومنظمات أخرى توفر التعليم في الأزمات. وهناك منهج دراسي وضعته اليونيسيف بالتعاون مع وزارة التعليم يغطي الصفوف الثلاثة الأولى من التعليم الابتدائي.”
ومع سقوط نظام البشير في أبريل 2019 وتشكيل الحكومة الانتقالية في السودان في سبتمبر،2019، فإن آمال الناس قد أصبحت مرتفعة بشأن إحداث تغييرات حقيقية تتراوح بين تحقيق السلام، مرورا بإصلاح الاقتصاد وانتهاء بتوفير الخدمات الأساسية للناس.
في هذا الصدد، يقول وزير التعليم السوداني محمد الأمين التوم إن التعليم على رأس قائمة الأولويات، ولكن يجب على البلاد أن تتعلم كيف أن تعلم.
تغيير بسيط
وقال التوم إن الحكومة الانتقالية تدرك أن العديد من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و13 سنة هم خارج المدرسة، وأن فرص التعليم لا توزع بالتساوي بين المدن والمناطق الريفية، وأن معدلات الأمية لا يزال مرتفعا بشكل مأساوي.
وأضاف إنه سيواصل القيام بعدة إصلاحات لاستعادة مجد التعليم واستعادة احترام المعلمين وبناء نظام قوي.
ويعتبر الالتحاق المجاني للأطفال من سن السادسة للصف الأول من التعليم الابتدائي بداية لاستراتيجية الحكومة لتوفير التعليم المجاني الكامل لجميع الطلبة بحلول عام 2030 وتحقيق هدف التنمية المستدامة فيما يتصل بضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل للجميع.
وفي حوار مع ‘موقع الأضواء‘ قال المعلم محمد التوم إن “التغيير لم يكن كبيرا منذ تولي الحكومة الانتقالية السلطة، وإنه من الصعب أن نرى التحول الحاصل على الأرض. ومع ذلك، فقد حدثت بعض التغييرات. فقد بدأت الوزارة في إنشاء قاعدة بيانات إلكترونية لجميع المدارس. طلبوا من جميع المعلمين سير ذاتية محدثة وأكملت ملفات المديرين ومالكي المدارس، بالإضافة إلى وثائق الأخرى التي قدمت. وهذا يتعلق بالقطاع الخاص الذي فيه الكثير من المشاكل”.
“بالنسبة للمدارس الحكومية، ولخفض النفقات غير الضرورية، طلبت الوزارة من كل مدرسة إعداد امتحاناتها وطباعتها بدلاً من الامتحانات الموحدة كما في النظام القديم. بالإضافة إلى ذلك، وبما أن المعلمين في المدارس الحكومية يجب ألا يقضوا سنوات عديدة في مدرسة واحدة، وضعت الأوامر الجديدة سقف سنتين للتعليم في كل مدرسة، ويتوجب على المعلم بعد انتهائهما الانتقال إلى مدرسة أخرى”، أضاف التوم.
وتقول الدكتورة جمعة: “لدى الحكومة الانتقالية مهمة صعبة لإعادة بناء نظام التعليم من الصفر، وبما أن الحكومة قد تشكلت في منتصف العام الدراسي الحالي تقريبا، لم يتغير الكثير حتى الآن”.
ولكن “لدى الحكومة رؤية جيدة من المقرر أن تنفذ في العام المقبل. وأتوقع أن يشهد العام المقبل تحولا في التعليم، وبنهاية الفترة الانتقالية سيكون في وضع جيد.”
وتضيف قائلة: “جميع التغييرات في قطاع التعليم تحتاج إلى دراسة ومراجعة شاملة، وبما أن الحكومة تريد استعادة السلم التعليمي القديم، وتغيير المناهج التعليمية وتحقيق تقدم كبير في إصلاح قضية النظام التعليمي، فإنها ستحتاج إلى الموارد والميزانية الكافية للقيام بذلك. ويتعين على الوزارة أن تخطط بشكل جيد وأن تجعل من الأقوال أفعالا.”
وبينما تقول اليونيسيف إنه فيما يتعلق ببعض التدابير سجل السودان تقدما مطردا في التعليم، من زيادة عدد الملتحقين بالمدارس الابتدائية إلى المساواة بين الجنسين في الصفوف الدراسية الابتدائية، من الواضح أن هناك حاجة إلى الكثير من العمل ــ وهي مهمة أخرى بالغة الضخامة بالنسبة للحكومة الانتقالية في السودان وشركائها.