تفاجأ السودانيون في صبيحة يوم ١٥ نيسان أبريل 2023 باندلاع حرب كبيرة بين الجيش الحكومي وقوات الدعم السريع ذات الامتدادات القبلية والتي تم استخدامها من قبل حكومة البشير في حرب دارفور ومن ثم تم تقنينها لاحقاً.
باغتت الحرب السودانيين، حيث لم يتوقعها أغلبهم رغم التوترات السياسية التي كانت سمة طاغية خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت سقوط البشير بعد ثورة كانون الأول ديسمبر 2018 والتي وصلت أوجها بانقلاب الأطراف العسكرية على الحكومة المدنية، ثم تصاعدت الخلافات العسكرية حتى وصلت حالة متقدمة من التراشقات الكلامية تبعها التحشيد والتحشيد المضاد الذي كان سبباً لانفجار الوضع في العاصمة الخرطوم ومدنها الثلاث.
كان المثير في حرب هذه المرة من بين حروب كثيرة عانت منها البلاد أنها بدأت من الخرطوم عاصمة السودان، ثم امتدت لتشمل عدة ولايات في غرب ووسط البلاد، وشهدت الحرب ارتكاب العديد من الانتهاكات، وحالات نزوح، وهجرة، ومعاناة إنسانية كبيرة، يدفع ثمنها حتى اليوم سكان المدن المشتعلة التي تشهد مواجهات محتدمة بين طرفي الصراع.
تسببت الحرب وخطابها في توسيع شروخ اجتماعية كانت موجودة، فخلال الحرب حدثت الكثير من حالات الاستهداف والقتل على أساس قبلي بالإضافة لحالات تمثيل، وتصوير للجثث وعرضها على وسائل التواصل الاجتماعي، كما أن الكثير من السلوك خلال الحرب مثل السرقات التي حدثت في عدد من الأحياء أدت إلى توتر اجتماعي، وخلقت حالة من عدم الثقة، بسبب النزغ الذي حدث من خلال الاستيلاء على عدد من المنازل ونهبها بالكامل.
ترافقت كل هذه الممارسات مع خطابات تحشيد قبلية، تصدرتها خطابات كراهية ذات أبعاد إثنية وقبلية، حيث نشطت العديد من الصفحات التي تبث خطابات تحرض على العنصرية وتدعو إلى تقسيم السودان على أسس جهوية.
ينبئ هذا الوضع بإحداث انقسام كبير بين مكونات المجتمع السوداني المنقسم أصلاً، وفي ظل سيطرة خطاب الحرب على المجال العام مع الزيادة المضطردة في الانتهاكات التي طالت حقوق الإنسان، فإنه ربما يتطور هذا الشكل من الانقسام إلى حالة لا يمكن السيطرة عليها في ظل عدم وجود جهات متخصصة تعمل على إعادة تشكيل خطابات تدعم التعايش السلمي بين المجتمعات.
ويقول سانديوس كودي وهو أستاذ جامعي في جامعة الخرطوم وناشط في قضايا السلام: “أنه سيترتب على هذه الحرب الكثير اجتماعياً، وسيتمحور ذلك في الضغينة الناتجة عن الكثير من الانتهاكات التي تم ارتكابها خلال الحرب، وهو ما يتطلب توقيع اتفاق سلام لا يتجاوز مظالم من تعرضوا لانتهاكات سواء كانوا مجتمعات أو أفراد، مع العمل الجاد على بناء جدار الثقة الذي انهدم بسبب الحرب”.
تلقي الحرب وآثارها ثقلاً كبيراً على المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والفاعلين والناشطين، حيث أن معالجة أمر الآثار الاجتماعية للحرب يتطلب عمليات توعية وحملات مناصرة قوية تجاه السلام، مع ضرورة ضمان أن تصطحب عمليات السلام ومفاوضاتها كل أسباب الصراع ومصالح كل المتضررين لضمان علاج جذري ينهي حالة التشظي الآخذة في التوسع يوماً بعد آخر.
ـــ ــــ
تم إنتاج هذه القصة من قبل الإعلام في التعاون والانتقال (MICT) وأكاديمية شمال أفريقيا للإعلام (NAMA)، بالتعاون مع مركز الأضواء للخدمات الإعلامية والصحافة، وبتمويل من الوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية (BMZ). الآراء الواردة في القصة لا تمثل آراء MICT أو NAMA أو الأضواء أو BMZ.