مدينة سنار، السودان.
(cc) موقع الأضواء | إدريس عبد الله | 26 سبتمبر، 2019
رغم ثروات سنار التاريخية والطبيعية، عانت المدينة من الإهمال والتهميش تحت حكومة البشير. للنهوض بالمدينة، من الواجب إجراء عدد التغييرات في السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
رسم الطالب عبد الباسط خميس، الذي تم قبوله للدراسة في جامعة مدينة سنار، صورة زاهية للمدينة في ذهنه، لما لها من رمزية تاريخية.
تعد مدنية سنار، التي تقع 300 كيلومتر جنوبي العاصمة الخرطوم، أول عاصمة للدولة الحديثة بعد سقوط مملكة الفونج في العام 1821، بعد أن حكمت لأكثر من ثلاث قرون.
ضمت سنار أول سد على نهر النيل الأزرق سمي باسمها وأنشئ في العام 1926 ليمد الخرطوم بالكهرباء، وليروي مشروع الجزيرة، أحد أكبر المشاريع الزراعية في السودان. هذا وقد نشرت مواقع وصحف سودانية عددا من التقارير في سنة 2018 حول اكتشاف رواسب ذهبية مهمة في ولاية سنار. بالإضافة إلى هذه الموارد، تزخر الولاية بعدد من المناطق الطبيعية مثل حظيرة الدندر القومية، التي تمثل مؤهلا سياحيا مهما للسودان ككل.
لكن ما أن وطأت قدما خميس المدينة، حتى تفاجأ بعكس ما توقعه: شوارع المدينة ترابية، المساكن تقليدية وبعض الأحياء تشبه ضواحي السكن الاضطراري في معظم مدن السودان.
“وضعت في ذهني صورة مختلفة للمدينة لما لها من بعد تاريخي، توقعت أن تكون بجمال المدن القديمة كأثينا وغيرها من المدن”، يقول خميس لموقع الأضواء، مضيفا: “عندما وصلت المدينة وجدت منطقة لا تفرق عن مدن السودان كثيرا بل هي الأسوأ وتشبه القرى النائية تماما”.
يشير خميس إلى المدينة التاريخية تفتقر إلى أبسط مقاومات الحياة وتكثر فيها قطوعات المياه والكهرباء، هذا إلى جانب سوء المرافق الصحية والذي يشهد عليه مستشفى سنار التعليمي كمثال لهذا التردي وانعدام أبسط مقومات الرعاية الصحية الأولية من كادر طبي ومعينات طبية أخرى.
“أكثر ما أثار استغرابي وأدهشني في المدينة أن بها ‘استوب’ -المنظم الآلي لحركة المرور – واحد في شوارعها الترابية” يقول خميس.
أسباب وأبعاد التدهور
تقول الناشطة في المجتمع المدني بالمدينة، حنان جمال الدين إن “تدمير البنية التحتية لمدنية سنار تم نتيجة لسياسية التهميش الممنهج من قبل حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير للمناطق التي يزداد فيها المعارضون للنظام السابق”.
وتشير جمال الدين، إلى أن النظام البائد ظل يعتقد بأن تنمية أي منطقة يرفع من الوعي، الشيء الذي شكل خطرا على سلطته. سياسات التهميش هذه جعلت المواطن يغض النظر عن الإخفاقات الحكومية وينشغل بشكل يومي من أجل الحصول على معاشه.
“سأجعل لكم من مدينة سنار هذه قرية”، هذا ما ينقله عضو تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير في سنار، حامد أحمد حامد، عن حاكم الولاية السابق أحمد عباس في رده على حركات احتجاجية عديدة لسكان المدينة إبان فترة حكمه للولاية. ويقول حامد لموقع الأضواء إن الحكومات المتعاقبة استهدفت إنسان المنطقة لاعتبارات عدة خاصة المرتبطة بوعيه بالحقوق في مواجهة سلطة جبائية قمعية.
وتتجلى عواقب هذا الإهمال للبنية التحتية مثلا في صعوبة التعامل مع تفشي وباء الكوليرا في الولاية، والكوارث الطبيعية مثل فيضانات يونيو 2019 الأخيرة.
تحطيم صناعة مدينة سنار الإنتاجية، من زيوت وغزل ونسيج وغيرها، والزراعة، بنزع أراضي المزارعين وتحويلها لمصلحة عناصرهم ومستثمرين أجانب، هي الأخرى من جوانب هذا الإهمال المعتمد من طرف حكومة البشير، كما يفسر القيادي في الحزب الشيوعي بولاية سنار، خالد اليسع.
ونوه اليسع إلى أن “كل حكام المدينة الذين جاءت بهم حكومة الرئيس المخلوع تخصصهم اقتصاد واستثمار زراعي وبالفعل تمكنوا من استغلال خبراتهم في إنشاء مشروعات لصالح شركات بعينها لم نشهد لها عائدا إلى السكان المحليين ولم تنعكس على حياتهم في الخدمات الأساسية”.
ويضيف القيادي الشيوعي: “ما حدث هو إفساد للحياة الاقتصادية والاجتماعية بسنار، سار بتوازي مع فساد إداري وسياسي أنتج بيئة طاردة وبالتالي جرت عمليات سيطرة واسعة على موارد المدينة وأراضيها وهذا يتضح في كمية الهجرة والنزوح من المدينة.”
الخروج من الأزمة
يرى اليسع أنه من الضروري الاستفادة من موارد الولاية من خلال تخصيص نسبة عالية لا تقل عن 50 في المئة من إيرادتها لتنميتها. “سنار غنية بالموارد بالإضافة إلى أنها ملتقى طرق لعدد من المدن”، يقول عضو تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير حامد أحمد حامد.
“كل ما تحتاجه المدينة هو بناء المؤسسات تعمل من أجلها واستنفار الجهد الحكومي والشعبي بالإضافة لاستقطاب نسبة من الإيرادات الحكومية لتنمية المدينة وخدمة إنسانها”، يضيف حامد.
بالإضافة إلى ذلك، يجب وضع خارطة تنمية تعتمد على الاستثمار الداخلي المرتبط بالقطاع التعاوني وشركات المساهمة العامة للمواطنين كبديل أكثر جدوى من الاستثمارات الأجنبية.
“الاستثمار الداخلي يفتح الباب لمشاركة مستديمة في التنمية وتنعكس بشكل مباشر على حياة المواطنين في شكل خدماتهم،” يفسر اليسع.