داخل استوديو هلا 96، أثناء برنامج ‘زمن إضافي’. (cc) هلا 96 | لقطة من فيديو
للإعلام دور مهم في تبليغ الأحداث. وفي وقت الأزمات يمكن للإعلام، وخاصة الإذاعة، التأثير على مجريات الأحداث. إذاعة هلا 96 “لعبت دورا بارزا في مقاومة النظام الدكتاتوري”. يتحدث حسن فاروق في هذا المقال عن تجربته مع إذاعة هلا 96 أثناء الثورة.
لعبت ‘قناة وإذاعة التلال الألف’ دورا رئيسيا في التحريض وإثارة الكراهية والعنصرية في الحرب الأهلية في رواندا بين قبيلتي الهوتو والتوتسي في أبريل 1994.
هذا جعل من الواضح دور الإعلام وبالخصوص الإذاعة في التأثير على مجريات الأحداث، سواء سلبيا، كما كان الحال في رواندا، أو إيجابيا، كما حدث مع إذاعة ‘هلا 96’ أثناء الثورة السودانية، في ديسمبر 2018، والتي أطاحت بنظام الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير في 11 أبريل 2019.
أكملت هلا 96 قبل أيام عامها السادس. بدأت عملي معها سنة 2014 مع انطلاق البث. بداية الإذاعة أو توجهها الأوّلي اعتمد على برامج منوعة اجتماعية رياضية، غنائية مع جرعة خفيفة من السياسة. مع بدء المظاهرات، بدأ تركيز الإذاعة يتحول من الترفيه إلى التعبير عن مراحل الثورة.
أكد عدد الثوار في لجان المقاومة السودانية، فضلوا حجب أسمائهم في تصريحات لـ ‘موقع الأضواء’ أنهم استعادوا الثقة في الإعلام السوداني المرئي والمسموع والمقروء بعد الاستماع لما بثته إذاعة هلا 96 من أغاني وأناشيد وطنية تتوافق مع مراحل الثورة بمراحلها المختلفة.
وأيد المواطن محمد عبد الرحمن ما ذكره ثوار لجان المقاومة السودانية، قائلا إنه بحكم تقدمه في السن، 62 سنة، لم يشارك في المواكب والمظاهرات. عبد الرحمن زار موقع الاعتصام أكثر من مرة، في الفترة التي استمرت لفترة خمسة أشهر من بداية الثورة وحتى سقوط النظام، مؤكدا أن “الإذاعة ساهمت في دعم وتحفيز الشارع السوداني وتحريضه على مقاومة نظام القتل والتجويع والفساد، وأنها كانت المنبر الإعلامي المؤثر المساند للثورة”.
“عبرت إذاعة هلا 96 عن حقنا في الحرية ودعمت كل تحركاتنا في الشارع ولعبت دورا بارزا في مقاومة النظام الدكتاتوري.” بهذه الكلمات تحدثت الثائرة لمياء ناصر، التي أكدت أن الإذاعة لعبت بجانب ذلك دورا أكبر في التنوير والتوعية بمساندة معلنة أحيانا وغير معلنة في أغلب الأحيان بسبب القبضة الأمنية.
وعي الشعب السوداني والثوار كان قادرا على التقاط كل الرسائل المحفزة للثوار منها أغاني شكلت رمزية لمكان ونقطة انطلاق المظاهرات ضد النظام. “كنا نفهم الرسالة”، قالت ناصر.
وجدت الإذاعة المتابعة الأعلى من الشارع السوداني، الرافض وقتها لمتابعة الإعلام الرسمي والموجه من قبل الأجهزة الأمنية، رغم الحصار الأمني المفروض على وسائل الإعلام أثناء الحراك الجماهيري من جهاز الأمن والمخابرات السوداني.
أتذكر تلك الأيام بوضوح. كنت أرغب في أن تكون الحريات متاحة بشكل كافي لنقدم برامج تتماشى مع الحراك الجماهيري في الشارع. في أيام الثورة توقفت كثيرا عن تقديم برنامج ‘زمن إضافي’، وهو برنامج مخصص للرياضة، لأن الأوضاع في البلد كانت صعبة للغاية مع المظاهرات وحالات القتل والاعتقالات.
كنت مشاركا في الحراك الجماهيري، ولهذا توقف تقريبا البرنامج عن البث. وذات الشيء انطبق على برامج أخرى كان توجهها منوعات. ومع تطور الأحداث وتصاعدها توقفت البرمجة تقريبا، وتم التركيز على الأغاني الثورية والأغاني ذات الدلالات المعبرة عن الثورة.
شارك زملائي في الإذاعة كذلك بمواقف تاريخية أيام الثورة، وعانت الإدارة في المقابل من تضييق جهاز الأمن بعد انتباه الشارع لتوجه الإذاعة.
انحياز للثورة
أكد أبي عبد الحليم، مدير البرامج في إذاعة هلا 96 لـ ‘موقع الأضواء’ أن “إذاعة هلا 96 كانت من السابقات انحيازا للثورة المجيدة ورغم المضايقات والعنت والجبروت الذي كانت تتعامل به أجهزة الأمن مع وسائل الإعلام إلا أن إذاعة هلا 96 استطاعت أن توصل صوت انحيازها للشارع بفضل شبابها وكنداكاتها.
أوقفت الإذاعة برمجتها اليومية والأسبوعية تضامناً مع الشارع السوداني المائج والمطالب بالتغيير، وصارت الإذاعة تبث الأغاني الوطنية والحماسية وتوظف مكتبتها الغنائية لتتوافق مع وجهات المواكب في مدن العاصمة والولايات في إشارة ذكية لدفعها للشارع وتحفيزه للتعبير عن رغباته.
ومن خلال برمجة دقيقة استطاعت الإذاعة أن توظف ثلاثة برامج فقط لبث رسائلها المغلفة للشارع العام والذي كان حصيفا وعارفا بتوجه الإذاعة و وقوفها معه.
ويضيف أبي عبد الحليم أن كل ذلك قوبل من الأجهزة الأمنية بمضايقات واستدعاءات متكررة وإيقاف بث الإذاعة في مرات كثيرة ولكن واصلت الإذاعة ما بدأته من انحياز للثورة. هذا بالإضافة لمشاركة طاقمها في كل المواكب وحتى الاعتصام.
دور مستمر
ويؤكد مدير البرامج على الدور الذي لعبته بعد سقوط النظام لم ينته بنهايته، ويعبر عن ذلك بقوله: “بعد سقوط النظام وظفت الإذاعة برمجتها لتتوافق مع مجريات الأحداث من خلال برامج كان الهدف منها زيادة جرعات الثقة في الشارع وتأكيد انتصاره ورفع درجات الوعي حتى نحافظ على ما تحقق من تغيير.”
حرصت إذاعة هلا 96 على استضافة شخصيات مؤثرة في الشارع العام التي كانت جزء من عملية التغيير بالإضافة لشخصيات لديها القدرة على التحليل الصحيح والشرح الوافي لراهن البلاد والرؤية المستقبلية التي يجب أن تكون.
دور هلا 96 والإعلام الحر لم ينته بعد في السودان، فالطريق ما زال طويلا. اختارت هلا 96 الوطنية والمهنية عنوانا لبث رسالتها للشعب السوداني وما تزال تواصل مواكبةً لكل الأحداث والتطورات التي تطرأ على الساحة السياسية وأثرها الاقتصادي والاجتماعي على الشعب السوداني.
أرى أن إذاعة هلا 96 ستواصل ذات التوجه المنحاز للثورة، وأنها ستتمسك بخطها الحالي طوال الفترة الانتقالية، والتي يواجه فيها السودان تحديات مختلفة وملفات معقدة منها الثورة المضادة التي تعمل على إجهاض الثورة.
ستواصل إذاعة هلا 96 الكشف عن تطورات معالجة جميع القضايا التاريخية التي عانى منها السودان وتسببت في عدم استقراره منذ الاستقلال، مع تركيز على ملف السلام والمؤتمر الدستوري، قبل الدخول في العملية السياسية من خلال الانتخابات.