يعيش السودان مرحلة استثنائية، يحتاج فيها إلى الأصوات المنادية بنبذ العنف والكف عن خطاب الكراهية؛ فالبلد المثقل بجولات من الصراع الداخلي يبدو في غنى عن الانزلاق في أتون حرب أهلية لا طاقة للسودانيين بها.
في الآونة الأخيرة ظهرت أصوات سودانية تطالب بمناهضة خطاب الكراهية باعتباره يشكل خطورة على الواقع السياسي والاجتماعي في البلاد يعلق عليها كثيرون آمالًا للوقوف في وجه محاولات إحياء أي اقتتال على أساس إثني وقبلي كما حدث مؤخرًا في الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، غربي البلاد.
محمد الصادق، كاتب وباحث سياسي، أحد الأصوات المناهضة والذي بات يكرس حياته في خدمة السودان للخروج بها من الحالة المأساوية التي تعيشها، إلى الاستقرار والسلام، وهذا شغله الشاغل الآن، كما يقول.
وينطلق محمد فيما يتبناه مما اعتبره تدهورًا يقود البلاد إلى هاوية الفشل نتيجة الصراعات الجانبية وهذا دافع للمناهضة والوقوف في وجه ما يجري بتضافر جهود الجميع في إطار تصور تكون السودان فيه هي الأول والأخير.
إقصاء له تبعاته
تتعدد الأسباب التي أدت إلى أن يطغى خطاب الكراهية والحث على العنف في السودان، وبعيدًا عن التأصيل وإلقاء التهم، يحمّل محمد الصادق ما اعتبرها سياسات تاريخية من قبل الجهاز الإداري، والسياسي للدولة، التي أدت إلى إقصاء فئات اجتماعية عدة، على أساس جهوي أو ديني أو عرقي، وبالنسبة لمحمد فإنها سياسات استعمارية، مازال تأثيرها على النخب مستمرًا، وبدورها سارت في ذات النهج، لإحداث التفرقة، بهدف استئثار فئة معينة بالحكم.
هذه العوامل والسياسات، تتحول إلى عنف في المستقبل، إلى أعمال مسلحة، وحروب أهلية، وأثرها واضح في واقع السودان اليوم، وهي كما يرى الصادق كافية لمواجهة ورفض خطاب الكراهية.
ولا ينسى الصادق التبعات النفسية لخطاب الكراهية التي تتحول إلى سلوك عدائي بين مكونات المجتمع، ما يؤدي إلى تقسيم المجتمع بدلًا من التناغم والترابط بين مكوناته، ويضيف: السودان في لحظة مفصلية، إما أن يحتوينا بعيدًا عن الحرب ومآلاتها، أو ينزلق إلى حرب لا نهاية لها، وهنا دورنا كسودانيين تستوجب اللحظة أن نقف في وجه لغة العنف والكراهية؛ لأننا عانينا منها كثيرا.
منتدى بان أفريكا كافيه
في آب/ أغسطس 2023 أقام منتدى بان أفريكا كافيه بمدينة كادوقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان برنامجًا ثقافيًا مفتوحًا، شارك فيه عدد من شباب وشابات المدينة، كانت الفعالية بمثابة بادرة لخلق نوع من الترابط الاجتماعي، والتعايش الثقافي بين مكونات المدينة بصفة خاصة وولاية جنوب كردفان بصفة عامة، باعتبارها ولاية تعيش حرب منذ فترة ليست بالقصيرة.
يعمل بان أفريكا كافيه في المدينة مع مجموعات مختلفة، كي تكلل مثل هذه المبادرة بالنجاح، ومضاعفة جهودها، وتسعى لخلق مجتمع متآلف ومتعايش في واقع التنوع الثقافي والاجتماعي، وخالٍ من الحروب، والعنف والكراهية، ويعمل الجميع من أجل أن يعم السلام جنوب كردفان، كي ينعم الناس بالأمن والطمأنينة، والمحبة، والسكينة.
هذا الموضوع للمجموعة مهم للغاية، ولهم فيه أفكار وآراء، يتمنى أن تطرح القضية في منابر متعددة وشاملة، وأن تكون بها مناقشات مستفيضة بين جميع مكونات الشعب السوداني، وتتطرق إلى تجربة منتدى بان أفريكا في مدينة كادوقلي، تحدث المجتمعون عن قضايا عديدة، أبرزها خطاب الكراهية لارتباطه بمعضلات أخرى، على سبيل المثال، عدم الاعتراف بالتنوع والتعدد، واستغلال الاختلافات في المجتمعات لتحقيق مكاسب وأهداف سياسية، والتمييز العنصري أو الإقصاء الممنهج.
مناقشة الحلول الممكنة
في منتدى بان أفريكا كافيه ناقش الأعضاء كيفية إدارة التنوع؛ باعتبارها قضايا حقيقية، خاصة في مدينة تعاني من مشكلة تفشي الصراعات الأهلية بين مكونات المجتمع ككادوقلي، التي كانت صراعاتها على أساس جهوي، وعنصري، نجمت عنها حروب وتهجير ونزوح.
يشخص محمد الصادق وهو أيضًا أحد مؤسسي المنتدى المجريات ضمن نطاق الحاجة الماسة لعقد اجتماعي جديد يعالج جذور الأزمة، في سبيل تحقيق المواطنة العادلة، وبالنسبة له فإن هذه الخطوة ستنجح إذا عاشها الإنسان في مستوى حياته اليومية، في البيئة والثقافة، والتراث، ووسائل الإعلام، وعملية إدارة الدولة، في التعددية، وسن القوانين والتشريعات التي تؤسس للمواطنة الحقيقية، وتجاهل ذلك يبقي الوضع على حاله ويقود إلى عنف وعنف مضاد.
إضافة لذلك يرى الصادق بأن المسؤولية الاجتماعية تشكل منطلقًا للحل؛ لأنها نابعة من ذاتية كل شخص عانى ويلات الصراعات السابقة، وبات لديه توجه جاد للتخلي عن الماضي ومعالجة الحاضر من أجل المستقبل.
بلا مكاسب
لا مكاسب لخطاب الكراهية سوى العنف، والعنف لا يبني الدول بل يهدمها، هذه نتيجة ينظر إليها محمد كمسلّمة لا مفر منها، ويضيف بناءً على تجربته: “أنا عشت الحرب، كأحد أبناء جبال النوبة بولاية جنوب كردفان، منذ الولادة وحتى الآن، نعيش في حروب، ولم نحصل على أي مكاسب”.
وهناك فوارق يصفها بالشاسعة، تختلف من إقليم لآخر، أقاليم تميزت ونجحت في تجاوز صراعاتها، وأخرى ما زالت تدفع الثمن، وكلما سنحت الفرصة أعادت الصراع إلى الواجهة، وكحل لذلك يرى الصادق بأن رفض الوضع الراهن أحد الحلول الممكنة، إضافة للبحث عن الاستقرار، والإصرار على العدالة في توزيع الخدمات والثروة وفقًا لأسس المواطنة العادلة القائمة على احترام الإنسان كإنسان.
—