منذ وصوله إلى مدينة نيروبي، في منتصف آيار مايو 2023، ظل الخير صالح، الصحفي الرياضي، يبحث عن معشوقته الأبدية كرة القدم، حيث كان يتردد على ميادين الساحرة المستديرة في حي جمهوري الشعبي وسط العاصمة الكينية الذي يقطنه عدد كبير من اللاجئين ينتمون إلى جنسيات مختلفة.
فر الخير البالغ من العمر ٢٩ عاماً إلى دولة كينيا هرباً من النزاع المسلح بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، الذي اندلع في العاصمة الخرطوم وعدد من الولايات، منتصف نيسان أبريل 2023، وتسبب في مقتل نحو ١٢ ألف شخص ونزوح أكثر من ٦ مليون بحسب مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
ملتقى اللاجئين
يلتقي معظم اللاجئين السودانيين في مدينة نيروبي، في منطقة جمهوري حيث تنتشر المطاعم السودانية والمقاهي والأسواق والمتاجر التي تبيع المنتجات السودانية.
وفي الوقت الذي يعاني فيه الكثير من اللاجئين في رحلة البحث عن عمل، أصبحت كرة القدم وسيلة التسلية والإلهاء الوحيدة بعيداً عن مصاعب الحياة، كأنهم وجدوا فيها ضالتهم، وسط الرحلة المضنية التي خاضوها من أجل الوصول إلى مدينة آمنة.
الخير أحد أولئك الشباب المنهكين، الذين وصلوا نيروبي بأمان، وبعد وصوله، تعرف على لاجئين من دولة جنوب السودان مستقرين في المدينة، وعن طريقهم شارك في بطولة كرة القدم للاجئين والمهاجرين، حيث بذل جهدًا ليجمع بين السودانيين من أجل تكوين فريق كرة قدم، تجربة يحكي عنها بسعادة بالغة، حيث يقول: “في الوقت الذي يعاني فيه الكثير من اللاجئين في مناطق اللجوء، أصبحت كرة القدم وسيلة مهمة لينسوا ما يعانونه، ويحاولون التغلب على ضغوطات يومهم، لذا ظلت فكرة تكوين فريق لكرة القدم يجمع السودانيين، حلم يراودني منذ أن وصلت إلى كينيا، حتى نجحت في ذلك بمساعدة اللاجئين من دولة جنوب السودان”.
الفريق الوليد، يجمع السودانيين بعيداً عن حالة الصراع التي يعيشها بلدهم، وهو ما أكده الخير في الحديث عن الفريق الذي كونه: “هناك مؤيدون ومعارضون لأطراف الصراع في السودان ضمن فريقنا إلا أن كلا الطرفين هاجر ليبقى على قيد الحياة، ودائماً يحتدم النقاش حول ما يجري في بلادنا، إلا أننا عندما ندخل المستطيل الأخضر نلعب كفريق واحد “كرة القدم وحدت فيما بيننا”.
لغة عالمية
تقدم كرة القدم نفسها كلعبة عالمية في متناول الجميع، يمكن أن يلعبها كل من يستطيع الركض، وبالأداة التي يحبها، المهم أن تكون هناك كرة تتدحرج أمامه، وهو يلاحقها.
اعتبر الزبير، وهو لاجئ سوداني يبلغ من العمر 28 عاماً، يقود فريقاً مع مجموعة أخرى من السودانيين كرة القدم لغة عالمية يتحدثها الجميع ويحبها، مشيرا إلى أنه عندما لا يلعب كرة القدم، يدرس في مدرسة لتعلم اللغة الإنجليزية، حتى يستطيع الالتحاق بإحدى الجامعات الكينية للحصول على شهادة إدارة الأعمال، ومع ذلك لاتزال كرة القدم في المدرسة وهو “النشاط الوحيد الذي يجمعهم”، كما يقول.
بينما يرى محمد سلطان، 30 عاماً، وهو لاجئ سوداني في العاصمة الأوغندية كمبالا “أن كرة القدم أكثر من كونها مجرد رياضة حيث يمكنها أن تساعد الشباب للتغلب على صعوبات اللجوء”.
ويتابع حديثه حول ذلك بالقول: “بعد الحرب وصل عدد كبير من الشباب السودانيين إلى مدينة كمبالا، حيث لا توجد أماكن أو برامج تجمع بين السودانيين، في العاصمة المزدحمة بالعديد من الأشخاص أغلبهم من اللاجئين الباحثين عن شيء ينسيهم المصاعب التي واجهوها، لذا نحن مجموعة من الشباب تناقشنا حول الظروف التي يمر بها اللاجئون السودانيون خاصة بعد صدمة الحرب والآثار النفسية ومعظمهم وصل أوغندا بلا عمل ولا خطة”.
مقترحات عدة كانت محل نقاش محمد وأصدقائه لعمل أنشطة ثقافية ورياضية كي تصبح ملتقى ومتنفساً للواصلين، واتفقوا على تشكيل فريق لكرة القدم، حيث يلتقون في عطلة نهاية الأسبوع كل سبت في ميدان صغير بمنطقة كبالا قالا بوسط العاصمة، يعبر محمد عن ذلك بالقول: “نركض وراء كرة القدم لأكثر من ساعتين، نتشارك اللعب مع جنسيات أخرى من الأوغنديين والإرتريين، ودولة جنوب السودان”.
صنع الفريق المشكل مزيجاً تعايشياً بين السودانيين والمجتمع الأوغندي المضيف وجنسيات أخرى، حيث اختلط بجنسيات كثيرة، صومالية، إرتيرية، أثيوبية وكنغولية، عن ذلك يقول محمد: “قابلنا ناس كثير من دول مختلفة، تعرفنا على بعضنا بكل محبة حيث جمعنا اللجوء”، ويتابع: “الملعب هو كل شيء بحياتي من بعد ما جئت أوغندا، كل شيء بعد الدراسة والإرهاق، المهم نجري ونتقابل نعرف أخبار بعض”.
المستطيل الأخضر وحّدنا
على الرغم من اختلاف المواقف، والتوجهات، تبقى كرة القدم جامعة لمن يتشاركونها، تمامًا كمحمد سلطان وأصدقائه الذين ينأون بأنفسهم عن تفاصيل المشهد في بلادهم، والتي ما إن يناقشونها حتى تعكر أمزجتهم، ويحرصون على ألا يثيرونها عندما تجمعهم ميادين المستديرة، يقول محمد: “أثناء ممارسة الرياضة لا نتناقش في مواضيع السياسة، ولا الأوضاع داخل البلاد لتجنب الاحتكاك، وينصب كل جهد المشجعين واللاعبين في مجريات كرة القدم، من الفائز ومن سجل أجمل الأهداف، وقبل كل لقاء كروي يكون هناك تحدي وتنافس وحماس داخل مجموعة الواتساب التي تجمع أعضاء الفريق على من يفوز في مباراة هذا الأسبوع”.
ميادين كرة القدم أصبحت متنفس السودانيين في الشتات، كما أنها عمقت العلاقات بين اللاجئين السودانيين الذين جاءوا إلى كمبالا من مناطق مختلفة في السودان، ليمتد التواصل والتجمع بعد الانتهاء من كرة القدم، حيث ينتقلون إلى المقاهي السودانية لمواصلة الحوار المرتبط بالرياضة ومتابعة الدوريات العالمية، ويحرص العديد من الشباب للحضور مبكراً كل يوم سبت؛ للمشاركة في اللعب أو التشجيع والمشاهدة، تجسيدًا لروح كرة القدم التي تجمع ولا تفرّق.
ــــــــــــــــــــ
تم إنتاج هذه القصة من قبل الإعلام في التعاون والانتقال (MICT) وأكاديمية شمال أفريقيا للإعلام (NAMA)، بالتعاون مع مركز الأضواء للخدمات الإعلامية والصحافة، وبتمويل من الوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية (BMZ). الآراء الواردة في القصة لا تمثل آراء MICT أو NAMA أو الأضواء أو BMZ.