يسود هاجس الخوف من تشرذم الدولة السودانية، منذ اشتعال الحرب في منتصف نيسان أبريل 2023، واستمرارها بوتيرة تصاعدية مهددة للسلم الاجتماعي ومستقبل السودان في ظل تنامي خطاب الكراهية والتعامل على أساس تمييزي عنصري في كثير من المناطق التي شهدت مواجهات عسكرية وتحشيد سلبي للرأي العام.
المستقبل السوداني على غموض مؤشراته يرتبط بشكل أساسي بالشباب حيث تشير آخر الإحصائيات أن ٦٧% من سكان السودان من فئة الشباب، ورغم ذلك لم يتح لهم لعب أي دور مستقبلي حتى على مستوى المشاركة في اتخاذ القرار.
حضور فاعل
برز دور الشباب بصورة قوية في العامين 2012 و2013 حيث ظهرت حركات شبابية مقاومة ومناهضة لنظام الحركة الإسلامية تحت مسميات مختلفة أشهرها “قرفنا، وشرار، والتغيير الآن”، وأعلنت تلك الحركات مقاومتها للنظام، وعملت على تعبئة الجماهير في الأسواق والشوارع العامة، لتتوج تلك الجهود فيما عرف بانتفاضة ديسمبر 2013 التي أخمدها النظام متسبباً في مقتل نحو 200 شخص.
تلك التجربة بحسب رأي الباحث الاجتماعي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة لونغ أيلاند الأمريكية بكري الجاك استفاد منها الشباب السوداني كثيراً، حتى على المستوى السياسي حيث ظهرت ما تعرف بلجان الأحياء، والتي مثل تواجدها ضرورة أن يكون الشباب في مستوى عال من التنظيم حتى لا يكونوا عرضة للقمع، ومن ثم ظهرت لجان المقاومة التي كان لها دور فاعل في الثورة السودانية.
لم يتوقف عطاء الشباب السوداني عند هذا الحد، وهو ما يوثقه الجاك بقوله: “بعد تشكيل الحكومة الانتقالية لعبت المجموعات الشبابية أدواراً مختلفة كلجان الخدمات والتغيير التي ساعدت الحكومة في توزيع الخدمات حتى على مستوى الأحياء، بينما تحولت لجان المقاومة إلى برلمان شعبي يعمل على مراقبة أداء الحكومة”.
كما كان للشباب السوداني حضور أكبر عند انقلاب رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان على حكومة عبدالله حمدوك في 25 تشرين الأول أكتوبر 2021، حيث كان موقفهم رافضاً للانقلاب وخرجوا في تظاهرات مستمرة معبرين عن رفضهم لما حدث، كما عملوا على توحيد رؤية للحكم مما أجبر البرهان للجلوس من أجل التفاوض فيما عرف بالاتفاق الإطاري، الذي انتهى باشتعال حرب 15 نيسان أبريل 2023، ومنذ ذلك الوقت تحولت تلك اللجان لخدمة المواطنين النازحين في كل مناطق السودان عبر ما عرف بـ”غرفة الطوارئ” التي تعمل على توفير مراكز لإيواء النازحين، وتوفير الغذاء والدواء من خلال التشبيك بينهم في الولايات.
قدرة على التحول
يملك الشباب السوداني قدرة حقيقية على التغيير وصناعة التحول وهو ما يلمسه المحلل السياسي عابدين عمر من خلال متابعته للحركة الشبابية منذ عام 2019 حيث لاحظ بأن لديهم قدرة غير طبيعية ومواكبة للظروف، بما في ذلك استجابتهم للمتطلبات التي تفرضها كل مرحلة، إضافة إلى أنهم يعملون في ظل ظروف صعبة، ويضيف عابدين: “دائرة التغيير التي لم تكتمل حتى الآن تصدرها الشباب بقوة، وكانت مساهماتهم محل تقدير وإشادة من الجميع، إنهم يمثلون مستقبل السودان”.
من جانبها تقول الدكتورة عزة مصطفى أستاذة العلوم السياسية في جامعة الأحقاف: “حينما نتحدث عن الأمة ومستقبلها فإننا نتحدث دون شك عن الشباب، وحينما نتحدث عن الشباب والدور الذي يجب أن يلعبه في بناء الدولة علينا إدراك الأهمية التي يشكلها للمستقبل السوداني باعتباره حجر الزاوية في الوضع الراهن”.
وبالنسبة للدكتورة عزة فإن القيادة نحو المستقبل هي للشباب، هو من يحدد بقدراته التي يملكها على المستوى الفكري والمعرفي وبآرائه الإصلاحية التي يجابه بها الحالة القاتمة التي تعيشها البلاد.
وتتساءل الدكتورة عزة في معرض حديثها عما إذا كان هؤلاء الشباب يملكون رؤية مستقبلية واضحة، يمكن أن تؤسس لمشروع وطني يوحد السودان ويمنع تفكيكه؟
وتذهب إلى ذلك بسبب ما وصفته بالواقع غير المبشر حول بقاء السودان متماسكاً لفترة طويلة، وهو ما يعني ضرورة العمل على رؤية شاملة تتوحد فيها الجهود، ولا يقصى أحد.
وبنبرة اهتمام تؤكد أنه من خلال تعاملها مع الكثير من الشباب لمست أنه لديهم رغبة في المعرفة، ولكنهم يفتقدون للدافع الشخصي لتطوير قدراتهم في كل مجالات إدارة الدولة، والتي لا يمكنهم الوصول إلى ما يأملون دونها، حسب قولها.
ماذا عن المستقبل؟
يحتاج الشباب السوداني إلى أن يدرك الجميع بأهميتهم المستقبلية، والتعاطي مع ذلك كنوع من الأهمية المرحلية بعد ما يجري، وبعد سلسلة التجارب المخيبة للآمال، ما يعني ضرورة التسليم بمنح الشباب فرصة للقيام بدورهم في ممارسة حقوقهم الممكنة والمساهمة في صناعة التحول المأمول، وهو ما يؤكده الأمين إبراهيم عضو لجنة مقاومة كرري، مضيفاً أنهم يدركون بأن الشباب هم مستقبل السودان، ويجب أن يكونوا عند المسؤولية، وإدراك ما يمر به السودان اليوم، ومآلات ما بعد الحرب التي تستلزم العمل على إدارة الخلافات بين السودانيين.
ويقول إبراهيم: “منذ الخروج من العاصمة الخرطوم التقيت بمجموعة من الشباب في ولايات مختلفة، وقدموا معي مساعدات من أجل المتأثرين بالحرب، حتى عندما خرجت من السودان عملت على تشكيل مجموعات شبابية تعمل على تشكيل رؤية مستقبلية، كما نعمل على تشكيل الشبكة الشبابية لإيقاف الحرب في كل الدول التي لجأ إليها الشباب السوداني، وقد تشكلت الشبكة في كل من أوغندا، وكينيا، وأثيوبيا، وسنعمل من أجل استكمال تشكيلها داخلياً وخارجياً من أجل إيقاف الحرب وتشكيل رؤية مع الفاعلين السياسية من القوى المدنية لإدارة السودان ومنع تشرذمها”.
وأكد إبراهيم من خلال متابعته للوضع أن الشباب السوداني يقف بإصرار لوقف الحرب، ويعمل على تشكيل قوة حيوية في بناء المستقبل، ويتعاون عبر المبادرات الشبابية لتحقيق التغيير، وتشكيل رؤية تخرج السودانيين من مأزق الحرب، وتعمل على خلق بنية تساعد في توحيد السودان، وتعزيز فرص النمو والتنمية في الوطن.
وتقول نسيبة الإمام الناشطة السياسية وعضوة غرفة طوارئ سنار: “إن ما حدث ويحدث الآن محاولة لقتل أحلام الشباب، وتدمير الوطن، ولكني على يقين للقيام بدورنا ما دمنا على قيد الحياة وإذا قتلنا فهناك أجيال ستحمل شعلة الحرية”.
الإمام وبلهجة كلها إرادة وإصرار أكدت على عزم الشباب وإيمانه بقدراته لإدارة المرحلة المقبلة، “والمستقبل كله لنا لتحقيق الدولة التي رفعنا شعاراتها في عام 2018، وفي سبيلها فقدنا رفاق الموكب الذين ارتقوا”، والكلام هنا للإمام.
يبقى هم كل السودانيين هو الخروج من الحرب، والذهاب إلى المستقبل الذي يريدونه بمؤسسات تخدم المواطن، وتعيد الاعتبار لبلادهم، وتستوعب كل التناقضات بعيداً عن العنصرية والتمييز، وتبني جيلاً متطلعاً للمستقبل، ولا علاقة له بما يحدث اليوم.
ــــ ـــ
تم إنتاج هذه القصة من قبل الإعلام في التعاون والانتقال (MICT) وأكاديمية شمال أفريقيا للإعلام (NAMA)، بالتعاون مع مركز الأضواء للخدمات الإعلامية والصحافة، وبتمويل من الوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية (BMZ). الآراء الواردة في القصة لا تمثل آراء MICT أو NAMA أو الأضواء أو BMZ.